الخميس، 13 ديسمبر 2012

ترجيحات أو سكيزوفرينيا دون جنسية



هنا، من وراء هذا المكتب الخشبي/ 

الوارف بظلال الستائر/
المعلق بحبل الأماني على جناحي سنونوة تعجّل بالرحيل/
أنسى أمسي ويتجاهلني غدي.

أحاول أن أرسم منازل في الصحراء، 

صمّمتها آلهة العقار منفى 
أو راع من سوقطرا يناجي ماعزه باللغة القديمة، أعني قبل الاحتلال

هنا، من وراء مكتبي،

يزورني اسكافي القرية/ 
يلمّع أحذية السماء بدماء ثورة تٌهدر بختم خارجي/
يرسم بخيوط الأحذية صرح فراغ/
يغير وجهة قطار الصباح نحو صالونات قفا وطني/
ويقتل ذكرى تنوء بحملها بطحاء وكأسي

وعلى التلفازات والإذاعات تظهر جماعة أطلقت على نفسها، صدفة، "أبناء الإله"

تعرّف الحرية في كلمات رائعة:
" لكم، ..... لكم...
  .......... عفوا ضاعت الورقة".
وكانت ستقول حسب علم الغيب أو اقتداء بالقضاء والقدر: 
"لكم حرية الاختيار بين منفى.... ومنفى "

فبين هذا المساء وما قبله، ماذا تغير؟

هل صارت السماء أقرب،
ليطالع الدّجال وجهٌ الرب من الرمل،
ويروي فصلا ممّا حدث قبلا؟
                                    (منتحر أخاط فمه رفضا،
                                    واليوم يخون دون سبب)
                                    أو
                                    (امرأة في المحراب تدعو:
                                    "إني حبلى، فأُوحي، ربّي، للنّاسك أن اعترف بالابن)

بين هذا المساء وما قبله، ماذا تغير؟

هل صارت قامة الفلّين أطول
لتولد من رحم السماء مهزلة و لتتواصل المظلمة؟
أو لترثي البطحاء رجلا مات، لأجل لاشيء 
مات...وحين الموت تذكر شعبا، وأوحى له ربّ:
                                  (إنما تنال العصا من الرفاق الشاردة)

هنا، تحت ظلال الستائر،

يزورني الموت ويقول:
(تمهّل، لك فرصة أخرى، فقد تحبّك إحدى بناتهم، فتصبح عمدة أو وزيرا/
وربما ترزق بابن يكون بالصدفة شاعرا، فيخفف الاغتراب بين البطحاء والوطن)
فقلت: (أخاف أن رزقت بابن أن تقطّع أرجله من خلاف.....أو يغتصب)
هنا، من وراء مكتبي
جالسا على كرسي أعرج كأيامي
أتذكر نصيحة شاعر لشاعر:
"احذر المجاز، فالوطن في الشعر منفى،
والمنفى قبر على جناح فراشة،
فأنزل منفاك عن ظهرك، وتذكر أمسيات الطفولة.
داعب فراشة وقل: "هنا وطني"
قل: "شعب بلادي شعب/
ولو شوهوه، ولو همّشوه/
ولو أنكروا حقّه في المنفى/

هاهنا وطن، لا مكان له

جالسا إلى مكتبي


                                                     حلمي العليوي 27-01-2012 




الخميس، 26 يناير 2012

في منام الحبيبة كن قمرا *




كذا نخيط حدودا لهجرة الطير،

(يموت بعيدا..يموت وحيدا....أقصى الشمال)،

كذا تنساب قطرات الوقت بين الظفر والقلب

كذا تتشقق الرّوح

وتنمو بين الحفر خصلة شعر



والذين صحوا فجرا، على طلقة بندقية،

يشربون ما تبقى من قطر الندى

(نقيّا، زكيّا، طريّا...)

ويأكلون ما تُرك من خبز لأهل المناجم

يقولون: " أفقنا فجرا، صرخنا عمرا، ضعنا دهرا

والآن، هنا، سنأكل خبزا، نشرب ندى، نقتات على همبورغر وعطور باريسية"



وآخرون يتكتّلون يسكنون هنا،

لا هنا،

يجهلون مكان السّكن،

وماسهم ما عاد لامع الجوهر،

( حين أفاقوا أوّل الفجر).

أراهم صبيحة الأحد،

ينشرون ثيابهم الرسمية، على شرفة الوطن

فتقطر، قطرة ... قطرة

في كأس مرصّع بالذّهب.



فيا أيها الجالسون على دماء المذبحة

ألم نقتسم السيجارة ..

نفسا بنفس؟

أم نسيتم أعقاب السجائر في علبة ممزقة،

وتفتّتت أسنانكم كبقايا الطباشير في مذكرة كهل؟

ودخّنتم علب سجائر كاملة؟

سيجارة بسيجارة

وولاعة ذهبيّة

تشتعل كلّ طلقة بندقيّة



ألم نكن نحمل الرصيف على أكتافنا،

دون أن نملّ ثقل المتسوّل يجلس فوق الرصيف؟

أمام المسرح

أمام الكنيسة

في المقاهي

على عتبات الجوامع

والآن صار المتسول يسكن فينا

وعلى الرصيف اغتراب مزمن:

(نزيف في الهويّة)



هناك من

سيخطو خطاكم...

(عل خطى عذراء ليست بعذراء)

هناك من سيفقأ أعين البئر

ويقدّ من تحت قميص الوطن

هناك من سيشرب النخب، في كأس مرصع بالذهب

هناك من سيطلق رصاصة من بندقية، أوّل الفجر،

على آخر سيجارة

وهناك من سيوضّب أحلامي، أينما ذهب،

في الحقيبة...مع ثيابه الشتويّة....

ويهدي الثياب لمتسوّل على رصيف الذّاكرة...



حلمي العليوي
, mercredi 19 octobre 2011, 17:21


* العنوان: في منام الحبيبة كن قمرا، من نصّ "حالة حصار" لمحمود درويش