- هل رأيت فلانة؟ البارحة دخلت إلى مكتب....
ولكن صالح لا ينظر إليه حتى، وكأن عم الهاشمي يتكلم إلى صنم.
ثم يفتح الباب متأنيا، خيوط العنكبوت في كل ركن، أعقاب السجائر منتشرة في كل صوب، وتلك الصورة معلّقة في مكانها لا تتزحزح، صورة ممثلة لا يتذكر اسمها، عينان كبيرتان، زرقاوان، أنف شامخ وشفاه منتفخة. كلما نظر إليها شعر بالإثارة.
*************
وحيد بين أربعة جدران وعشرات الرفوف، وأوراق ، أوراق، أوراق ...
في حجرة كأنها الزنزانة، بل كأنها القبر، فلولا بصيص النور من تلك النافذة العالية ذات الزجاج المكسر في أغلب الأحيان، لكانت الظلمة.
تمر الساعات رتيبة، يشعر فيها بالملل والكآبة. فليس هذا ما حلم به.
حكا له أبوه عن تونس، ذلك المكان الحالم، بأهله، بحركته، برجاله الكرماء، بنسائه الملتحفات الجميلات، بحديقة حيواناته، بأسواره وأبوابه، بأوليائه الصالحين، بحماماته، بأسواقه، بأيامه ولياليه المضيئة ....
ويا لخيبة المسعى.
تمر ساعات الصباح وقد دخن صالح علبة سجائر كاملة، لا بأس، في وقت الراحة سيشتري غيرها كالعادة، وكالعادة سيدور حوار بينه وبين البائع:
- السلام عليكم،
- وعليكم السلام، أهلا، كيف الحال؟
- لاباس وأنت كيف حالك؟
- شنوة كالعادة، علبة سجائر..
- أي نعم..
- هيا، إلى الآن لم تقل لي من أين أنت؟ مضى على وجودك هنا أربعة أشهر ولم أعرف بعد، ولا حتى أحد من زملائك يعرف...
- قلت لك، من بلاد الله...
ويتركه صالح ويتجه إلى مطعم "دار الجلد" أين يطلب "عجّة"، يأكلها في صمت.. ثم يعود إلى مكتبه...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق