الأربعاء، 3 يونيو 2009

النهاية.....أو بداية المأساة


تكلم با ابن الزانية، للمرة الرابعة والأخيرة أسألك: ما اسمك ولقبك وعمرك وصفتك؟

إسمي هيثم بن أحمد، عمري عشرون سنة وأنا تلميذ بالسنة الثانية ثانوي بالمعهد الثانوي بجبل الأخضر ......

توالت الأسئلة والصفعات بعدها إلى أن خلت أنها لن تنتهي। حمدا لله أن رجال الشرطة ليسوا سوى موظفين لهم سويعات عمل محددة، وإلا لما أنهى ذلك القمىء، الكبير المؤخرة سلسلة الإستجوابات ........... كان واضحا جدا أنه يستمتع بإلقاء الأسئله وصفعي مع كل إجابة، والهزء بي। كاد يريق ما أجهدت نفسي على الإحتفاظ به من كرامة।

كانت الصفعات تأتيني من كل مكان وأحيانا ينادي لبعض الزملاء لإعانته في تأديبي إن لم تعجبه الإجابة. لم تكن كلمات مثل "ميبون" أو "إبن القحبة" أو "قحبة" آخر العبارات التي يستخدمها حين يكلمني، بل تلك كانت العبارات التي توازي هيثم بن أحمد في نظره....

نظرة التلذذ تلك التي كنت أراها نابضة في عينيه لم تكن غريبة عني، نعم، إني أعرفها، أعرفها حق المعرفة... هي نفسها النظرة التي رأيتها تلتمع في عيني سمير "رعشة" يوم غرز السكين بين ساقي غريمه منير، ثم جز عنقه بذات السكين। لم تنطفىء تلك النظرة من عينيه، بل زادت تأججا حين أتى رجال الشرطة واقتربوا منه لإلقاء القبض عليه। كان حينها لايزال في مقطع الياجور حيث وقعت الحادثة...لم يبد مقاومة تذكر أمام رجال الشرطة، وحين أخذوه كان ينظر إلى جسد منير والمتعة تسيل أدفاقا من عينيه كالدموع تماما....نعم أعرف تلك النظرة حق المعرفة....

قادني شرطيان إلى غرفة الحجز، كانت مليئة بأجساد مكومة حذو بعضها، تطلع منها رائحة نتنة، عبارة عن خليط عجائبي من رائحة العرق القوية ورائحة مرحاض مسدود...

تقدمت بين تلك الأكوام بصعوبة باحثا عن مكان أريح فيه جسدي المتعب...أخيرا وجدت ركنا فارغا، فارتميت فيه...لم أكن أدرك بعد ما حصل تمام الإدراك...كنت أحس بأني أغوص فيدوامة عنيفة لا بداية لها ولا نهاية ...دوامة عصفت بحياتي كلها...وأي حياة؟ في الواقع كنت حينها شديد الإحباط...

لم أكن أنخيل المجرمين هكذا، كما رأيتهم في ذلك اليوم...لم يكن بينهم أحد يشبه "آل باتشينو" أو "دي نيرو"...كان أكثرهم هزيلين جدا، وجوههم ممصوصة كما لو كانت وجوه موميات، أذرعتهم طويلة ورفيعة...لم أجد أي شبه بينهم وبين تلك الأساطير التي أسمع عنها في "الحومة"। كانوا يبكون ويستجدون المحققين ويبوسون النعال। حين يضربهم شرطي يخفضون جناح الذل ولا يهزون أكتافهم حتى...يلاقون الإهانة بالإبتسامة والضحك والتسليم..."ياكبول...-نعم سيدي أنا كبول" بل وكانوا يجعلون أنفسهم موضع تندر، أهؤلاء هم الرجال الذين يبثون الرعب؟ أهؤلاء هم الذين طالما سمعت عنهم وحلمت أن أكون منهم؟

كانوا كلهم أمامي وحذوي في غرفة الحجز...أشبه بالديدان، وجوههم باهتة وعيونهم باهتة...يتقاذفون الشتائم والسباب أحيانا ثم لا يلبثون أن يصمتوا ...كنت متعبا ولكن النوم لم يقنرب من عيوني.........

..................

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق